18يونيو

وهل هناك اختبارات دقيقة لمعرفة نمط الشخصية؟

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

هل تتغير انماط الشخصية بتغير ظروف الشخص؟

وهل من الممكن أن يحمل الشخص أكثر من نمط؟

وهل هناك فرق بين أنماط الشخصية واضطرابات الشخصيه(الفصاميه,النرجسيه..الخ)

وهل هناك اختبارات دقيقة لمعرفة نمط الشخصيه؟

وشكراً

شارك السؤال !

‎إجابة واحدة

  1. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

    تكون شخصية الانسان عند طفولته كالحمم البركانية، حارة وليّنة ومستعدة للتغيير كالسائل. لكن ما أن يلبث ويصل إلى مرحلة معينة من العمر (بين ١٩ و٢٢) حتى تكون قد بردت هذه الحمم وتصلّبت إلى صخر، حيث تصبح وقتها صعبة التغيير دون حوافز قوية جداً مثل المطرقة والسندان، حيث أنه لا يمكنك تغيير شكل الصخر بمجرّد تدليكه برفق.

    تغيير الشخصية وارد عند الصغار لأنهم يجربون عدة أساليب حياتية (مثلاً يجربون كلاً من الكذب والصدق ويرون أيهما أكثر ملاءمة لهم أو أكثر فائدة) ومع مرور الوقت تتكون شخصيتهم خصلةً خصلة حتى يصلون إلى ما بعد سن المراهقة حيث تكون شخصيتهم في نمو كامل. من تلك اللحظة وحتى الشيخوخة، من الصعب جداً تغيير شخصية الانسان إلا بأحداث حياتية هائلة، مثل وفاة شخص عزيز، أو مصيبة تصيب الشخص ذاته لا سمح الله، تجعله يراجع نفسه بارتباك ويحاول تغيير شيء ما في حياته، لكن يتبقى الاحتمال وراداً أن يتخلى عن محاولاته هذه مع مرور الزمن ويعود إلى طبعه الذي نشأ عليه. لذا يقول الناس أمثالاً مثل “الطبع يغلب التطبّع” والمثل الشعبي “أبو طبيع ما يجوز عن طبعه.” في العادة، يظهر الطبع الأصلي للشخص في الحالات الحرجة أو الحاسمة، ويتخلى عن طباعه المزيفة تماماً حتى لو ارتداها لسنوات واستطاع إقناع الناس أنها ما هو عليه، فمثلاً من يدّعي أنه قيادي قد تجده ينزوي وينتظر غيره ليتطوّع للقيادة حين يحتاج الأمر فوراً إلى قائد، وقس على ذلك. لكن على الكفّة الأخرى، قد تجد شخصاً لا يمتّ للقيادية بصلة ينهض فجأة ويقود الحشد حين هم بأشد الحاجة لمن يقودهم، وهنا قد نقول أن البشر لهم القدرة على التغيّر في الشخصية حين تدعو الحاجة، فنحن لسنا صخوراً فعلاً وفينا بعض المرونة، لكن في معظم الأحوال نحن ما نشأنا عليه وفرصة التغيير الجذري في الشخصية ضئيلة جداً.

    نحن بطبيعة الحال نحمل عدّة أنماط، تختلط معاً لتكوّن من نحن عليه. ففينا قليل من النرجسية وقليل من الجبن. فينا القليل من النفاق والقليل من الأنانية وهكذا. نحن كطبق مطبوخ متّزن، كل جزء من أجزاءه موضوع بمقياس معيّن يتوافق مع الحياة الاجتماعية السائدة. لكن عندما تسود أحد هذه الأجزاء على المستوى الطبيعي لها، عندئذ نقول أن الشخص لديه اضطراب في الشخصية. مثلاً، كلنا أناني وكلنا يريد مصلحة نفسه وهذا طبيعي جداً فلولا الأنانية لأكرمنا على بعضنا حتى الموت، لكن عندما تتجاوز الأنانية لدى شخص ما الحد الطبيعي سيكون ملحوظاً عليه هذه الصفة وستطلق عليه كنمط موحّد ويتجاهل الناس بقية الصفات. حين يقال “فلان نرجسي” أي أن نرجسيته قد زادت عن الحد الطبيعي المقبول اجتماعياً وأصبحت هي الصفة السائدة الملحوظة.

    حين تتجاوز أحد أنماط الشخصية حدها بشكل هائل، يتحول هذا النمط إلى اضطراب، فالنرجسية حين تسود تصبح اضطراب الشخصية النرجسية. في أحيان أخرى، قد تنبع مشكلة نفسية لا علاقة لها بالأنماط الطبيعية، مثل انفصام الشخصية. خذ في الحسبان أن الفصامية مشكلة نفسية عميقة، أعمق بكثير من المشاكل في أنماط الشخصية، وتحتاج إلى علاج، بينما كثير من النرجسيين قد لا يحتاجون إلى علاج البتّة. بل ويعرف أن الغالبية من النرجسيين الذين تسود لديهم هذه الصفة على البقية أنهم طموحون جداً ويسعون إلى النجاح بشكل ملحوظ، وقد تجد العديد من رجال الأعمال الناجحين أو ذوي المناصب العليا لديهم اضطرابات نرجسية منذ الصغر. تتحكم النرجسية الزائدة بصاحبها وتجبره على شيئين: الرغبة المشتعلة في النجاح، وتجاهل مشاعر الغير ومشاعر الذات على حد سواء. ستجده مهووس بذاته الخارجية مع إهمال ذاته الداخلية. ستجده لا يحب زوجته ولا أطفاله إن كان متزوجاً من الأساس، وإذا قال أنه يحبّ فهو يدّعي الحب لا أكثر. لذا الكثير من ذوي النرجسية الشديدة قد تقودهم هذه الصفة الغامرة بعد عقود من الزمن إلى إحباط شديد، حين يدركون فجأة أنه بينما هم مصقولون ولامعون من الخارج، هم مجوّفون وصدئون من الداخل، وهذا يدفعهم إلى إحباط وحزن عميق قد يقودهم إلى زيارة أطباء نفسيين، وعلى الطبيبي النفسي حينئذ أن يعرف أن هذا الاحباط الذي جاء به ما هو إلا وليد النرجسية، وهذا سيساعده في التوصل إلى حلول أفضل.

    ذكرت النرجسية واضطرابها عن نمطها الطبيعي كمجرد مثال. تنطبق الاضطرابات هذه على العديد من أنماط البشر الأخرى، كسرعتهم في اتخاذ القرارات أو التردد، ككونهم ذكوريين أو انثويين في الشخصية (بغض النظر عن جنسهم الأصلي) وغير ذلك الكثير.

    أخيراً، نعم هناك اختبارات دقيقة لمعرفة أنماط الشخصية لدى الناس، لكن معظمها يعتمد على صدق الشخص ذاته في الإجابة، فلن تكون هذه الاختبارات ذات قيمة عالية إذا لم تكن في يد طبيب نفسي يقارن ما بين الإجابات وما بين طبيعة المجيب، فالكثير يحرّفون في إجابات اختبارات الشخصية ولو قليلاً ليشعروا بالرضا عن أنفسهم وأنهم ليسوا “مرضى” حتى وإن لم يكونوا كذلك.

    وعشتم في أتم السلامة :)

    المصادر:
    The Art of Hating by Dr. Gerald Schoenewolf, on Characterological Forms of Hate
    Narcissism: A Groundbreaking Study by Dr. Alexander Lowen

    عن المُجيب

    طبيب إمتياز ينوي التخصص في الطب النفسي، شديد الاطلاع في مجالات العلم النفسي والصحة العقلية. يهوى الكتابة.

جميع الحقوق محفوظة لـ © اسأل طبيب